فصل: تفسير الآيات (88- 90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (84- 85):

{حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}
الواو للحال، كأنه قال: أكذبتم بها باديء الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب. أو للعطف، أي: أجحدتموها ومع جحودكم لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها؛ فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأ ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه {أمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
بها للتبكيت لا غير. وذلك أنهم لم يعملوا إلا التكذيب، فلا يقدرون أن يكذبوا ويقولوا قد صدّقنا بها وليس إلا التصديق بها أو التكذيب. ومثاله أن تقول لراعيك- وقد عرفته رويعي سوء- أتأكل نعمي، أم ماذا تعمل بها؟ فتجعل ما تبتدئ به وتجعله أصل كلامك وأساسه هو الذي صحّ عندك من أكله وفساده، وترمي بقولك: أم ماذا تعمل بها، مع علمك أنه لا يعمل بها إلا الأكل؛ لتبهته وتعلمه علمك بأنه لا يجيء منه إلا أكلها، وأنه لا يقدر أن يدعي الحفظ والإصلاح؛ لما شهر من خلاف ذلك. أو أراد: أما كان لكم عمل في الدنيا إلا الكفر والتكذيب بآيات الله، أم ماذا كنتم تعملون من غير ذلك؟ يعني أنه لم يكن لهم عمل غيره، كأنهم لم يخلقوا إلا للكفر والمعصية، وإنما خلقوا للإيمان والطاعة: يخاطبون بهذا قبل كبهم في النار ثم يكبون فيها، وذلك قوله: {وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم} يريد أن العذاب الموعود يغشاهم بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات الله، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كقوله تعالى: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35].

.تفسير الآية رقم (86):

{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
جعل الإبصار للنهار وهو لأهله.
فإن قلت: ما للتقابل لم يراع في قوله: {لِيَسْكُنُواْ} و{مُبْصِراً} حيث كان أحدهما علة والآخر حالاً؟ قلت: هو مراعي من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف؛ لأن معنى مبصراً: ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
فإن قلت: لم قيل: {فَفَزِعَ} دون فيفزع؟ قلت: لنكتة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة، واقع على أهل السموات والأرض؛ لأنّ الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعاً به. والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون {إِلاَّ مَن شَآءَ الله} إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة، قالوا: هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت- عليهم السلام. وقيل: الشهداء.
وعن الضحاك: الحور، وخزنة النار، وحملة العرش.
وعن جابر: منهم موسى عليه السلام، لأنه صعق مرّة. ومثله قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآء الله} [الزمر: 68]. وقرئ: {أتوه}. {وأتاه} {ودخرين}، فالجمع على المعنى والتوحيد على اللفظ. والداخر والدخر: الصاغر. وقيل: مع الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية. ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمره وانقيادهم له.

.تفسير الآيات (88- 90):

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}
{جَامِدَةً} من جمد في مكانه إذا لم يبرح. تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفه ثابتة في مكان واحد {وَهِىَ تَمُرُّ} مرّاً حثيثاً كما يمر السحاب. وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد: إذا تحرّكت لا تكاد تتبين حركتها، كما قال النابغة في وصف جيش:
بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أَنَّهُمْ ** وُقُوفٌ لِحَاجٍ وَالرِّكَابُ تَهَمْلَجُ

{صُنْعَ الله} من المصادر المؤكدة، كقوله: {وَعَدَ الله} [النساء: 95]. و{صِبْغَةَ الله} [البقرة: 138] إلا أن مؤكده محذوف، وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى: ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين، ثم قال: صنع الله، يريد به: الإثابة والمعاقبة. وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، حيث قال: صنع الله {الذى أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء} يعني أن مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب: من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله: {مَن جآءَ بالحسنة} إلى آخر الآيتين، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغاً واحداً ولأمر مّا أعجز القوي وأخرس الشقاشق. ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله: {صُنْعَ الله}، و{صِبْغَةَ الله} [البقرة: 138]، و{وَعَدَ الله} [النساء: 95] و{فِطْرَةَ الله} [الروم: 30]: بعدما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله: {الذى أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء}، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً} [البقرة: 138] {لا يخلف الله الميعاد} [الزمر: 20] {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30] وقرئ: {تفعلون}، على الخطاب. {فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل: فله خير منها، أي: له خير حاصل من جهتها وهو الجنة، وعن ابن عباس؛ الحسنة كلمة الشهادة. وقرئ: {يَوْمَئِذٍ} مفتوحاً مع الإضافة؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوباً مع تنوين فزع.
فإن قلت: ما الفرق بين الفزعين؟ قلت: الفزع الأوّل: هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية. وأمّا الثاني: فالخوف من العذاب.
فإن قلت: فمن قرأ {مِّن فَزَعٍ} بالتنوين ما معناه؟ قلت: يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه؛ لأن البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف: وهو خوف النار. أمن: يعدي بالجار وبنفسه، كقوله تعالى: {أفأمنوا مَكْرَ الله} [الأعراف: 99]. وقيل: السيئة: الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل: فكبوا في النار، كقوله تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} [الشعراء: 94] ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين {هَلْ تُجْزَوْنَ} يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.

.تفسير الآيات (91- 93):

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
أمر رسوله بأن يقول: {أُمِرْتُ} أن أخص الله وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكاً كما فعلت قريش، وأن أكون من الحنفاء الثابتين على ملة الإسلام {وَأَنْ أَتْلُوَاْ القرءان} من التلاوة أو من التلوّ كقوله: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ} [يونس: 109]، [الأحزاب: 2]. والبلدة: مكة حرسها الله تعالى: اختصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها؛ لأنها أحبّ بلاده إليه، وأكرمها عليه؛ وأعظمها عنده. وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج في مهاجره، فلما بلغ الحزورة استقبلها بوجهه الكريم فقال: «إني أعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله. ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت» وأشار إليها إشارة تعظيم لها وتقريب، دالاً على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه. ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها، فأجزل بذلك قسمها في الشرف والعلو، ووصفها بأنها محرّمة لا ينتهك حرمتها إلا ظالم مضادّ لربه {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها. واللاجئ إليها آمن. وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما. وفي ذلك إشارة إلى أن ملكاً ملك مثل هذه البلدة عظيم الشأن قد ملكها وملك إليها كل شيء: اللهم بارك لنا في سكناها، وآمنا فيها شرَّ كل ذي شرّ، ولا تنقلنا من جوار بيتك إلا إلى دار رحمتك. وقرئ: {التي حرّمها}. واتل عليهم هذا القرآن: عن أبيّ {وأن أتل}: عن ابن مسعود. {فَمَنِ اهتدى} باتباعه إياي فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفي الأنداد عنه، والدخول في الملة الحنيفية، واتباع ما أنزل عليّ من الوحي؛ فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إليّ {وَمَن ضَلَّ} ولم يتبعني فلا عليّ، وما أنا إلا رسول منذر، وما على الرسول إلا البلاغ. ثم أمره أن يحمد الله على ما خوّله من نعمة النبوّة التي لا توازيها نعمة، وأن يهدّد أعداءه بما سيريهم الله من آياته التي تلجئهم إلى المعرفة، والإقرار بأنها آيات الله. وذلك حين لا تنفعهم المعرفة. يعني في الآخرة. عن الحسن وعن الكلبي: الدخان، وانشقاق القمر. وما حلّ بهم من نقمات الله في الدنيا. وقيل: هو كقوله: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِي الأفاق وفى أَنفُسِهِمْ} الآية [فصلت: 53]. وكل عمل يعملونه، فالله عالم به غير غافل عنه لأنّ. الغفلة والسهو لا يجوزان على عالم الذات، وهو من وراء جزاء العالمين. قرئ: {تعملون}، بالتاء والياء.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ طس سليمانَ كانَ لَهُ مِنَ الأجرِ عشرَ حسناتٍ بِعددٍ مِنْ صدّقَ سليمانَ وكذَب به وهود وشعيبِ وصالحٍ وإبراهيمَ، ويخرجُ منْ قبرِهِ وهو ينادِي لاَ إلهَ إِلاَّ الله».

.سورة القصص:

.تفسير الآيات (1- 3):

{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)}
{مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ} مفعول نتلو، أي: نتلو عليك بعض خبرهما {بالحق} محقين، كقوله تنبت بالدهن {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لمن سبق في علمنا أنه يؤمن، لأنّ التلاوة إنما تنفع هؤلاء دون غيرهم.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)}
{إِنَّ فِرْعَوْنَ} جملة مستأنفة كالتفسير للمجمل، كأن قائلاً قال: وكيف كان نبؤهما فقال: إن فرعون {عَلاَ فِي الارض} يعني أرض مملكته قد طغى فيها وجاوز الحدّ في الظلم والعسف {شِيَعاً} فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه، لا يملك أحد منهم أن يلوي عنقه. قال الأعشى:
وَبَلْدَةٍ يَرْهَبُ الْجَوَّابُ دُلْجَتَهَا ** حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا

أو يشيع بعضهم بعضاً في طاعته. أو أصنافاً في استخدامه يتسخر صنفاً في بناء وصنفاً في حرث وصنفاً في حفر، ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية، أو فرقاً مختلفة قد أغرى بينهم العداوة، وهم بنو إسرائيل والقبط. والطائفة المستضعفة: بنو إسرائيل: وسبب ذبح الأبناء: أنّ كاهناً قال له: يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده. وفيه دليل بيّن على ثخانة حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن، وإن كذب فما وجه القتل؟ و{يَسْتَضْعِفُ} حال من الضمير في {وَجَعَلَ} أو صفة لشيعا. أو كلام مستأنف. و{يُذَبِّحُ} بدل من يستضعف. وقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} بيان أنّ القتل ما كان إلا فعل المفسدين فحسب، لأنه فعل لا طائل تحته، صدق الكاهن أو كذب.

.تفسير الآيات (5- 6):

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)}
فإن قلت: علام عطف قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} وعطفه على {نتلو} و{يَسْتَضْعِفُ} غير سديد؟ قلت: هي جملة معطوفة على قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} لأنها نظيرة {تلك} في وقوعها تفسيراً لنبأ موسى وفرعون، واقتصاصاً له. {وَنُرِيدُ}: حكاية حال ماضية. ويجوز أن يكون حالاً من يستضعف، أي يستضعفهم فرعون، ونحن نريد أن نمنّ عليهم.
فإن قلت: كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله المنة عليهم؟ وإذا أراد الله شيئاً كان ولم يتوقف إلى وقت آخر، قلت: لما كانت منة الله بخلاصهم من فرعون قريبة الوقوع، جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم {أَئِمَّةً} مقدّمين في الدين والدنيا، يطأ الناس أعقابهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قادة يقتدى بهم في الخير.
وعن مجاهد رضي الله عنه: دعاة إلى الخير، وعن قتادة رضي الله عنه: ولاة، كقوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} [المائدة: 20]. {الوارثين} يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم. مكن له: إذا جعل له مكاناً يقعد عليه أو يرقد، فوطأه ومهده ونظيره: أرّض له. ومعنى التمكين لهم في الأرض وهي أرض مصر والشام: أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ولا تغث عليهم؛ كما كانت في أيام الجبابرة، وينفذ أمرهم، ويطلق أيديهم ويسلطهم. وقرئ: {ويرى فرعون وهامان وجنودهما}، أي: يرون {مّنْهُمْ مَّا} حذروه: من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم.